اخبار عالمية
أخر الأخبار

إسلام دربالة يكتب ” صلاحيات فى حياة صلاح “

 


كتب :- إسلام دربالة 

■ سوف نخوض فى صفحات الرجل الذى أحترمه أعدائه قبل مناصريه فلن تجد بصدق أى شائبه فى تاريخه العسكرى من قبل مستشرقين الغرب الذين تدارسوا صفحاته بصدق حتى كتب” ويل ديورانت” كتاب قصة الحضارة فى السلطان :-

كان يعامل خدمه أرق معاملة، ويستمع بنفسه إلى مطالب الشعب جميعها، وكانت قيمة المال عنده لا تزيد على قيمة التراب، ولم يترك في خزانته الخاصة بعد موته إلا دينارا واحدا؛ وقد ترك لابنه قبل موته بزمن قليل وصية لا تسمو فوقها أية فلسفة مسيحية”. و تلك شهادة توضع فى عين الاعتبار عن تواضع السلطان الناصر و نزاهة المالية و الإدارية فمن هنا نبدأ قصتنا الحقيقية .

■ إحياء الحق الأقوم

كلمات قالها القاضى الفاضل عبد الرحيم البيسانى العسقلاني عن السلطان الناصر صلاح الدين بعد الإصلاحات الإدارية التى قام بها صلاح الدين فى مصر بعدما أصبح سلطان البلاد ومن أول تلك الإصلاحات غلق مسجد الأزهر و فتح الصلاة بالجامع العتيق ” مسجد عمرو أبن العاص ” تاج الجوامع  الأول فى مصر  و الرابع فى الإسلام

وذلك لكى يقضي على فكرة التشيع بمصر و تفكيك الدولة الفاطمية العميقة لأن المسجد الأزهر كان مبنى فى البداية على يد ” جوهر السقلي أو السقلبى ” كما تشير بعض المراجع لنشر الفكر الشيعى فى بدايات الدولة الفاطمية فى القاهرة القديمة الفاطمية حيث كانت مساحتها ٤٨ فدانا و كانت تقتصر فقط على الحكم و نشر الدعوة الفاطمية.

فالرجل الذى بدأ حياته فى تعلم العلم و تدارس كتاب الله و سنة نبيه تكون من مزيج علمى ممتاز ضم الفقه و الحديث و العقيدة و الأدب حتى أن الذهبي يقول فى ” السَّير ” أنه كان من حَفَظَة الأدب ” فقد كان يحفظ ديوان الحماسة ” كتاب شعر ” و يَظُنُّ أن كل فقيه يحفظها ..!!

فلم يكن يعلم أنه يعد لعمل عظيم سيخلد بأحرف من نور فى سجلات التاريخ و علاوة على ذلك كان لديه قدرات سياسية و عسكرية فذة بسببها ” طار صيته فى الدنيا و هابته الملوك ” خاصة أنه كان عالما بعجائب الدنيا ” و أخبار عالم عصره و فقا لكتابات ابن رشد ، لقد عاش فى كنف الدولة النورية كما عاش والده بكنف الدولة الزنكية .

▪︎ بصيص من النور و الأمل لشعب قد ذاق الظلام !!

أسوار القاهرة يعلوها الرايات السوداء

شعار الدولة الفاطمية وبالداخل الخليفة الفاطمي و يكتب محيى الدين عبد الرحيم البيسانى ” القاضى الفاضل” حيث كان يعمل الفاضل آنذاك فى ديوان المراسلات و كان خلاصت الخطاب استغاثة الخليفة الفاطمي العاضد بنور الدين زنكى لإنقاذ خلافته من تآمر وزيرة المتمرد شاور السعدي مع الصليبين لغزو مصر و زوال ملك العاضد و حيث أرسل فى الكتاب شعور النساء و قال له :- هذه شعور نسائي من قصري يستغثن بكَ لتنقذهن من الفرنج ، فقام نور الدين لذلك و عقد و شرع ف تجهيز العساكر إلى مصر ، حسب أبى شامة المقدسى فى كتاب الروضتين ..

و الشاهد فى المسألة أن القاضى الفاضل كان جزء من مخطط الدولة النورية بقيادة نو الدين زنكى للسيطرة على مصر من الحكم الفاطمي و ضمها للحكم الإسلامي الثنى تحت لواء الدولة العباسية لا ستكمال بناء جبهة التصدى للصليبيين فى بلاد الشام ” بيت المقدس ” ، ذلك أن البيسانى ” كان و هو فى ديوان تلك الدولة يتحرق على كشف بدعها و كفّ شنعها ، و كر جنود الله ” جنود نور الدين ” على شيعها طبقا للعمرى .

▪︎ إحياء الحق الأقوم..

فضل الرجل الإداري كان أعظم من فضله كمحرر ولذلك ما إن تولى صلاح الدين الوزارة الفاطمية حتى كان القاضى الفاضل هو الدولةَ الصلاحية : كان كاتبَها ووزيرها، وصاحبها ومشيرها، والحامل أعبائها  طبقا للعمري.

وهكذا بدأت شيئا فشيئا تتضح معالم الإستراتيجية السُّنية الإحيائية بحسب التسمية الحرفية الصادقة للقاضي الفاضل؛ وذلك في رسالة بعثها عن صلاح الدين إلى الخليفة العباسي ببغداد المستضيء بالله ” وحفظ لنا نصَّها أبو شامة”بعد وفاة نور الدين زنكي يطلب منه توليته بـتقليد

جامع لمصر والمغرب واليمن والشام، وكل ما تشتمل عليه الولاية النورية، وكل ما يفتحه الله للدولة بسيوفنا وسيوف عساكرنا”!!

ففي هذه الرسالة نقرأ و نجد ما قام به سلطان مصر الجديد من “إحياء الحق الأقوم” فيها، لأن “النظام الفاطمي فيها قد فسد تماما ، والإسلام بها قد ضعف عن إقامته كلُّ من قام وقعد”. كما يذكر مساهمة الأسرة الأيوبية -تحت لواء الدولة الزنكية- في إصلاح الأوضاع في الشام التي كانت سابقا تتبع الدولة الفاطمية، وما ينوي صلاح الدين تنفيذه من زيادة في الإصلاح بعد منح بغداد إياه شرعية وراثة الدولة النورية بعد وفاة السلطان نور الدين؛ فيقول عن صدق شديد :- “أصلحنا ما في الشام من عقائد معتلة وأمور مختلة، وآراء فاسدة وأمراء متحاسدة..، والمراد الآن هو كل ما يقوِّي الدولة ويؤكد الدعوة ويجمع الأمة.. ويفتح بقية البلاد”.

▪︎ويلاحظ أن القاضي الفاضل البيساني كان مدركا أن عملية الإصلاح معقدة جدا في مصر التي حالت صراعات بيت الحكم في الدولة السلجوقية دون ضمها إليها، وكان على الدولة الزنكية أن تقوم بتلك المهمة نيابة -ولو كانت صورية- عن الخليفة العباسي. ووفقا له أيضا فإن تعقيد عملية الإصلاح تلك ينبع من حقيقة أن صلاح الدين ومعسكره يقاتلون على جبهتين: “القتال الذي يُصْليه الصليب ” قتال الصليبيين فى الشام ” ، والقراع الذي يُنادَى به من مكان قريب ” داخل مصر” ، ونحن نقاتل العدوين: الباطن والظاهر، ونصابر الضدين: المنافق والكافر”؛ حسب الرسالة السابقة.

وإذا كان البيساني يقصد بالعدو الظاهر الصليبيين فإن تعبير العدو الباطن إنما يقصد به الدولة العميقة الفاطمية، التي قام بتفكيكها الوزير صلاح الدين الأيوبي بمساعدة القاضي الفاضل الذي “استعان به ” صلاح الدين” على ما أراد من إزالة الدولة الفاطمية حتى تم مراده، فجعله وزيرَه ومشيرَه، بحيث كان لا يُصدر أمرا إلا عن مشورته.. ولا يحكم في قضية إلا بتدبيره”؛ وفقا للمقريزي في ‘المواعظ والاعتبار‘.

لقد كانت الخطة الشامية واضحة في ضرورة بناء خط دفاعي قوي بين مصر والشام، وفي هذا السياق يأتي توحيد الإقليمين بإلغاء صلاح الدين حكم الخليفة العاضد الفاطمى بضغط من سلطانه نور الدين وإعلانه الولاء للخلافة العباسية، فـ”ضُرِبت البشائر “بالعراق” وزُينت بغداد أياما، وبعثت “الخليفة المستضيء الخِلَعَ ” أوشحة التكريم” لنور الدين وصلاح الدين..، وخُلِع الخطباءُ أيضا “الفاطميون عن المساجد” بمصر، و خلعت الأعلامُ السود” التي هي كانت شعار الفاطميين؛ كما يروي ابن خلدون.

▪︎ فلم يكن ممكنا لصلاح الدين ومستشاريه إعلان هوية الدولة السُّنية في مصر “ومن ثم العمل لإطلاق مشروع ملاحقة الصليبيين” قبل تفكيك دوائر الدولة العميقة المخلصة للفاطميين؛ وهكذا كان البدء في عملية التفكيك باجتثاث الجيش الفاطمي عبر تصفية الفرق العسكرية ذات النزعة الولائية للقيادة الإسماعيلية، والتي قدرها المقريزي -في ‘المواعظ والاعتبار‘- بـ”عشرة آلاف مقاتل.. عند انقراض الدولة الفاطمية”.

▪︎ لقد كان الجيش الفاطمي مكونا من أجناس مختلفة لا تقاتل تحت قيادة واحدة بل تعمل لصالح عصبيات عدة؛ فكان ضروريا تصفية تلك الطوائف الفوضوية وتكوين أجهزة عسكرية قوية بديلة “فمحا “صلاح الدين” تلك الطوائف جميعها، واتخذ بمصر عساكر من الأكراد خاصة، فكان عدتهم اثني عشر ألفا من شجعان الكرد” بدايات تكوين المماليك .

▪︎ ثم كانت الخطوة الثانية تفكيك المنظومة القضائية الشيعية الإسماعيلية؛ فبعد أحد انتصاراته الأولى على الصليبيين في معارك البحر الأحمر سنة 566هـ/1170م استثمر صلاح الدين انتصاره سياسا حين عاد إلى مصر، فـصرف قضاة مصر الشيعة كلهم، وفوّض القضاء لصدر الدين عبد الملك بن درباس الماراني الشافعي ، فلم يستنب عنه في إقليم مصر إلا من كان شافعي المذهب، فتظاهر الناس من حينئذ بمذهب مالك والشافعي، واختفى مذهب الشيعة الإسماعيلية.. طبقا للمقريزي.

وقرر صلاح الدين تحصين نظامه الجديد بعيدا عن قصور الحكم الفاطمية التي يصعب الأمان في أروقتها؛ فأسس ما يشبه عاصمة مصغرة للحكم هي التي عُرفت “بقلعة الجبل”

وأشرف على بنائها ذراعه العسكرية اليُمنى بهاء الدين قراقوش .

ويحدثنا المقريزي عن القلعة فيقول إن “سبب بنائها أن السلطان لما أزال الدولة الفاطمية من مصر واستبد بالأمر- لم يتحول من دار الوزارة بالقاهرة، ولم يزل يخاف على نفسه من شيعة الخلفاء الفاطميين بمصر” حتى انتقل إلى القلعة، ومن ساعتها “صارت القاهرة مدينة مصر”، أي أنها تحولت من عاصمة إدارية خاصة بنخبة السلطة إلى مدينة شعبية متاح السكن فيها لعموم المصريين.

واختار صلاح الدين أن يبني أولى مدارسه في الفسطاط، ولهذا دلالة إحيائية كبيرة؛ فالفسطاط تعبّر عن وجه القاهرة السُّنّي وبدء إنشاء المدارس السُّنّية منها هو تحوُّلٌ في البعد العمراني للقاهرة.

وطبقا للمقريزي فإن “أول مدرسة أحدِثت بديار مصر المدرسة الناصرية بجوار الجامع العتيق جامع عمرو أبن العاص بمصر “وكانت للمذهب الشافعي” ، ثم المدرسة القمحية المجاورة للجامع أيضا “وجُعلت للمذهب المالكي”، ثم المدرسة السيوفية التي بالقاهرة” وخصصت للمذهب الحنفي، ويقول ابن إياس إنه “بنى مدرسة عند دار الضرب ” مؤسسة سكّ النقود” وجعلها للحنابلة”، وبنى أيضا مرفقا تربويا للصوفية هو “خانقاه سعيد السعداء”.

وقد استفادت تلك المدارس من تجربة النظاميات في بغداد والشام، وكُلّف القاضي البيساني بالإشراف عليها واختيار أفضل المعلمين والمناهج الدراسية لرفدها بالطاقات اللازمة لقيامها برسالتها على أكمل وجه. وفي المجال الصحي؛ بُني في عهد صلاح الدين “مارستان ” مستشفى” ولم يكن بالقاهرة مارستان قائم قبله”؛ حسب ابن إياس في ‘بدائع الزهور‘. ثم تعززت تلك المؤسسات التعليمية والصحية بالعشرات من نظائرها التي رُصدت لها الأوقاف الوافرة طوال عهود الدول الأيوبية والمملوكية والعثمانية.

▪︎ لهذا كان من واجبنا إظهار حق الرجل الإداري الذى كان النواة للفتح و النصر المبين على أعداء الحق من العدوان الظاهر و الباطن  و فتح بيت المقدس …

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. من أجمل ماقرأت عن صلاح ……فهو بحرا واسعا يعجز القلم التعبير عنه واوفاؤه حقه ولكن هنا من أجمل ماقرأت عنه ………..
    كأن كتب المقال من سلاسل من الذهب ….. حقا يعجز لسانى عن وصفه ……..من جماله ومضمونه
    أحسنت النشر بالتوفيق إن شاء الله ♥️♥️

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى