مقالات

الدكـــروري يكتب: إياكم من مرصد المفاليس

 

الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، أحمده حمد عبد نزه ربه عما يقول الظالمون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، علم ما كان وما سيكون، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق المأمون، صلى عليك الله يا خير الورى ما أمطرت مزن وما سيل جرى، صلوا عليه وسلموا لا تفتروا، إن الصلاة عليه غُنم يُشترى، فاللهم صلي وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الأيام والسنون، ثم أما بعد إن الآخرة هي دار الجزاء وتوفية الحقوق وإسترداد المظالم، وهي مرصد المفاليس، حين يقدمون بجلل من الصالحات، من صلاة وصيام وزكاة، وغيرها مما هو دونها في الفضل، في يوم تشح النفوس بالحسنة وإن كانت أما.

فيرون ثواب تلك القربات ترحل من سجل حسناتهم إلى صحف من ظلموهم وبخسوهم حقهم، فيذكر النصب الذي بذله والوقت الذي كابده والمال الذي أنفقه ومفارقته اللذائذ لأجل عمل تلك الصالحات، وبات ينتظر ثوابها في يوم تعز فيه الحسنة، ويراها بحسرة المرائر قد ذهبت لغيره بسبب ظلمه له، وتزداد تلك الحسرة إن فنيت حسناته، فتنقل سيئات المظلوم إلى صحيفته مع عدم مباشرته لها، فيحاسب عليها كما لو كان عاملا لها، وتزداد تلك الحسرة حسرات حين تفنى الحسنات وتبقى السيئات، فيؤمر به إلى النار، وإن في يوم القيامة تتكشف تلك الذرائع عن فسادها، ويبدو المستور، وتسقط أقنعة التأويلات، ويبوء أهلها بشؤم عقباها وللمخالَط والصاحب بالغ الأثر في حفظ حقوق الخلق واستلابها فالمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.

وإذا كان الإنسان في هذه الحياة الدنيا يسعى ليجمع ثروة من المال ليعيش بها في هناءة وسعادة، وتغنيه عن الحاجة للعباد، فإن طالب النجاة يوم القيامة أولى أن يسعى ليجمع ثروة من الحسنات حتى ينال بها سعادة الآخرة، ويفوز بها بالجنة ورضوان الله عز وجل، وإن هذه الدنيا مزرعة يزرع فيها الناس أعمالهم، ويبذلون فيها سعيهم، ويتقربون فيها بأنواع وألوان من الأعمال، ويخرجون منها ليس معهم من متعها ولا من ملذاتها شيء، بل يخرجون منها كما جاؤوا إليها، فقد جاؤوا عراة حفاة غرلا، أي غير مختونين، يخرجون منها على نحو هذا الوصف في التجرد من كل ملذات الدنيا ومتعها وأملاكها، وإن الدنيا دار إختبار وحقوق الخلق ميدان إبتلاء، ومن أعظم ما يحمل على خفرها والإستخفاف بأدائها إهمال محاسبة النفس.

وغياب إستحضار الحساب الأخروي وذاك ما حمل الطغاة على العتو والبغي على العباد، وإن هذه الحياة دار سعي وعمل، وإن الآخرة دار حساب وجزاء، وإن يوم القيامة هو يوم العدل المطلق، فيه توفى الحقوق وتسترد المظالم، وإنه يوم العدل فلا ظلم اليوم، فيقتص الله للمظلومين، فيأخذ من حسنات هذا المحسن الظالم، ويعطي المظلوم، فما زالت الحسنات تؤخذ منه وتنقل من ميزانه إلى ميزانهم وهو ينظر حتى تفنى كلها، فإذا بقي مظلومون ولا حسنات، أخذ من سيئات المظلوم فطرحت على هذا المسكين ثم يطرح في النار، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى