مقالات

محمـــد الدكـــروري يكتب/ العمل بمقتضى العلم الشرعي

 

الحمد لله الذي جعل لنا الصوم حصنا لأهل الإيمان والجنة، وأحمد سبحانه وتعالى وأشكره، بأن من على عباده بموسم الخيرات فأعظم المنة ورد عنهم كيد الشيطان وخيب ظنه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، شهادة تؤدي لرضوانه والجنة، أما بعد، إن الصدق في الأعمال يتحقق بالعمل بمقتضى العلم الشرعي، وإستواء السريرة والعلانية في الحق، بأن يكون الباطن مثل الظاهر، أو خيرا منه، فتكون الأعمال الصالحة الظاهرة التي يقوم بها المسلم ترجمة صادقة لما هو مستقر في باطنه، وهذا يستلزم أن يجاهد الإنسان نفسه لتكون سريرته وعلانيته واحدة، وألا تدل أعماله الظاهرة على أمر باطن لا يتصف به حقيقة، وكذلك بالإتقان في كل عمل صالح يقوم به المسلم، بأداء الأعمال والحقوق كاملة موفّرة، فلا بخس ولا غش ولا خداع ولا ظلم. 

فبهذا يؤدي المسلم عمله على خير وجه، ويحسن إلى نفسه فلا يلحقه تبعة في عمله، ويحسن إلى الآخرين بتوفيهم حقوقهم، وكما أن الصدق في الأعمال لا يتحقق إلا بثمن، ولا يصير خُلقا إلا بتضحية ومجاهدة طويلة وشاقة، إنه خُلق لا يتحمله إلا المخلص المتجرد لله تعالى، الذي يضحّي في سبيل ذلك بكل حظوظ النفس ومُتع الحياة، وإلى ذلك أشار سبحانه وتعالى بقوله ” ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد” والصدق في الأعمال يقتضي أن يكون العبد مطيعا لربه ممتثلا لأمره، ومجتنبا لنهيه، آخذا بكتابه مقتديا برسوله المصطفي صلي الله عليه وسلم، ولعلك سمعت عن قصة البطل وكيل الرقيب، جمهور بن عبد الله الغامدي رحمه الله الذي أسعده الله بإنقاذ أب وطفليه من الغرق في شاطئ نصف القمر، وذلك حينما تلقى نداءات الإستغاثة.

وهو في طريقه إلى بيت الله ليؤدي صلاة العصر، فلم يتأخر لحظة في إستجابته لنداءات الضمير وصوت المعروف فأخذ يشق طريقه بين أمواج البحر محاولا إنقاذ أرواح الثلاثة الذين شارفوا على الغرق، فتمكن أولا من إنقاذ والدهم وأوصله إلى نقطة قريبة ليتولى زميله إيصاله إلى شاطئ الأمان وعاد من فوره في همة متناهية وتضحية منقطعة النضير إلى الطفلين ليمد لهما يداه الموفقتين فتلقفهما بشفقته وحنا عليهم بأبوته مرخصا في إنقاذهما روحه وحياته فأكرمه الله بإنقاذهما كذلك حينها لم تسعفه قوته أن يصل إلى ساحل السلامة، حيث شعر بالإرهاق وفقد السيطرة على نفسه بين دوامة البحر، فجرته أمواجها إلى داخله وكلت قواه ورويدا رويدا حتى خفت ضياء الحياة بين عينيه فكانت الشهادة في سبيل الله تعالي الوسام الذي ينتظره كذلك نحسبه والله حسيبه. 

فإختفى هذا البطل عن الأنظار، وغرق في لجة البحر بعد أن نحت ببطولته أروع لوحات الفداء والإيثار حقا إنها نماذج وبطولات فريدة في زماننا هذا، ولكن لا أملك إلا أن أقول رحمك الله يا جمهور رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته وأنزلك منازل الشهداء والصالحين إنه بر رؤوف رحيم، فإن حاجة أخيك هم تخففه عنه ونجدة تسعفه بها ودين تقضيه عنه، ومال تقرضه إياه ونقيصة تدفعها عن عرضه ورفقة تؤنسه بها، ودعاء له تخفيه عنه وكل عون في بر وكل مساعدة في خير، صنائع تنال بها محبة الله وتفوز من أجلها برضاه، فاللهم إنا نشهد بأننا نحبك ونحب نبيك صلى الله عليه وسلم، فاللهم ارزقنا اتباعه والتأسي به والاقتداء بهديه، اللهم لا تحرمنا شفاعته يوم العرض عليك، اللهم اجعلنا من زمرته، واجعلنا من أنصار دينه الداعين إلى سنته المتسكين بشرعه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى