مقالات

إدارة السُّمعـــة المؤسـسيـــة”بين الموجهات التنظيرية وقوة التأثير”

 

       بقلم 

أ.د/ عطية السيد عطية عبد العال

د/ أحمد عبد الفتاح حمدي الهنداوي

===================

“يستلزم الأمر عشرون عاماً لبناء سُمعة طيبة، وخمس دقائق لتدميرها”، من الأقوال المأثورة التي تؤكد على أن السُّمعة لدى المؤسسات؛ ليست وليدة اللحظة، بل إنها تتكون على مدار العديد من السنوات المليئة بالجد والاجتهاد، وتكاتف الجهود، والانضباط والالتزام، والعطاء المستمر، من أجل تكوين الصورة الأفضل التي يراها الآخرون عن المؤسسة ومنسوبيها.

السُّمعة هي رأس مال أي مؤسسة، وإحدى أهم المرتكزات التي تقوم عليها من أجل تحقيق تقدمها وارتقائها بين المؤسسات المماثلة لها، وذلك بما يتفق مع متطلبات العاملين بها ومع التغيرات التي يشهدها العالم على مشارف الثورة الصناعية الخامسة، فالسُّمعة المؤسسية ركيزة أساسية في مسيرة حياة الفرد وفي مسيرة مؤسسته التي يعمل بها، وتؤدي دوراً محورياً في نجاح المؤسسة أو في فشلها.

ولا شك أننا عندما نحكم على خدمة مُعينة بجودتها أو بتميزها، فإن ذلك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بانطباعنا أو بتكوين صورة ذهنية إيجابية لدينا عنها، وتتشكل تلك الانطباعات عبر تجارب شخصية أو عبر معرفة وإدراك تجارب الآخرين، والذي يظهر في التعاملات المرغوبة المستمرة بتلك المؤسسة، ومدى الترحيب الراقي بالمتعاملين معها، وفي دورها الإيجابي الذي ينعكس على رضا العاملين بها وشعورهم “الرضا الوظيفي” وعلي رضا العملاء.

وتتضمن إدارة السُمعة؛ توجيه منظور جماعي لدى أفراد المجتمع نحو مستوى متميز عن المؤسسة، بما يؤكد على إضافتها قيمة للأفراد والجماعات والمجتمع، وتوفيرها لمعايير موضوعية يمكن من خلالها قياسها في إطار قيمي أخلاقي، بحيث تشكل ميزة تنافسية تجذب مستفيدين متجددين بشكل مستمر وتنمي ولاءهم وولاء العاملين بها على حد سواء.

وفي هذا الإطار؛ يمكن تقديم عدد من المقومات الرئيسة لإدارة السُّمعة المؤسسية، والتي ينبغي مراعاتها (قبل وأثناء وبعد) تنفيذ المهام والمسئوليات والأدوار والواجبات بالمؤسسة بكافة مستوياتها ووحداتها الإدارية والتنظيمية، وقد تم صياغة هذه المقومات من خلال ثمان مصطلحات، كل مصطلح منهم يبدأ بحرف القاف، تحت مسمى (القافات الثمانية لإدارة السُّمعة المؤسسية)، والتي يُمكن توضيحها على النحو الآتي:

= قيمة مضافة، هل تسير المؤسسة على نفس مستواها وبشكل مستمر؟ أم أن هناك تقدُّم ملحوظ وتعزيز للجهود من أجل الارتقاء بمستوى الأداء بحيث نُقدِّم ما هو أفضل؟ يتضمن عنصر القيمة المضافة؛ قياس التقدم الحقيقي الذي يُحرزه الأفراد في الأداء على مدى فترة زمنية معينة مقارنة بأداء الأفراد في الفترة الزمنية السابقة، ومقارنة بأداء المؤسسات الأخرى المُماثلة، والتي تُسهم في تطبيق نظم المحاسبية والمتابعة الشاملة، وتزويد القادة بالمعلومات التشخيصية التي تمكنهم من اتخاذ قرارات لتحسين مستوى الأداء.

= قيَم مُشتركة، وتتضمن تلك القيم؛ حرية التعبير عن الرأي واحترام وفهم قيم مختلف الثقافات والمعتقدات، وعدم المشاركة في أي ممارسات غير أخلاقية في سبيل تحقيق مكاسب إضافية أو غيرها، والالتزام بالعمل في ظل التشريعات المنظمة والمواثيق على المستوى الدولي والمحلي والمؤسسي، والحفاظ على خصوصية الأفراد والسرية التي يرتضيها الأفراد (إلا إذا كان من غير الملائم قانونا أو أخلاقيا القيام بذلك)، والالتزام بالصدق مع الذات ومع جميع الأفراد من داخل المؤسسة أو خارجها من حيث تجنب تقديم وعود غير قادرين على الوفاء بها.

= قناعات المستفيدين، من حيث ترسيخ ثقتهم في أداء المؤسسة عبر الوفاء بالوعود، وتنفيذ القرارات بكل حيادية، والتعامل معهم بكل نزاهة وشفافية، وقبول المخصصات المالية العادلة منهم وعدم استغلالهم، فقد تُضحى المؤسسة بقدر مناسب من المال في سبيل تأكيد نزاهتها، ولكن بعد إجراء المقارنات المرجعية مع المؤسسات المُماثلة، وبما يتفق مع إمكانات المستفيدين، وبما لا يؤثر سلباً على الجانب الاقتصادي للمؤسسة، ومن الضروري تقديم مزيد من الأعمال الخيرية كنوع من المُساهمة الفعالة في تنمية المجتمع، وبما يُسهم في بناء سمعة طيبة للمؤسسة.

= قيادة التغيير، تزخر الكتابات العلمية بأنه إذا أردت أن تتطور فعليك أن تتغير، وإذا أردت أن تصل الى أعلى درجات التطور فعليك أن تتغير باستمرار، وأنه لا يمكن أن نلحق بالمستقبل ونحن ننظر الى الخلف، فتتميز بيئة العمل في عصرنا الحالي بالتقلّب والتغيّر الحيويّ المُتسارع، فمنظمات الأعمال المعاصرة تهدف إلى التغـيير و التطوير عن طريق زْرع ِقيم وسلوكيّات جديدة واستخدام التكنولوجيا الفعالة، وتحديث الهياكل التنظيمية، الأمر الذي تطلّب أسْلوباً قياديّا حكيمًا يوجه ويحفز نحو اتخاذ قرارات صائبة تكّيفا مع التحديّات المُعاصرة في الأوقات المناسبة.

قرارات استراتيجية فعالة، ومتابعة تنفيذها على أرض الواقع، متضمنة وضوح الرؤية الاستراتيجية للمؤسسة وترجمتها إلى خطط تشغيلية على مستوى الوحدات التنظيمية وفرق العمل، والتأكيد على استيعاب جميع أفراد المؤسسة لتلك الرؤية، والجدية في التعامل مع نقاط الضعف والمخاطر التي يتم رصدها في تلك الخُطط، واستثمار نقاط القوة والفرص التي يُمكن استثمارها بها، بحيث يشعر بالتقدم الملحوظ في مستوى الخدمة المقدمة وجودة الناتج النهائي لأدائها.

= قبول التحدي وقوة التنفيذ، من خلال إجراءات واضحة ومُمنهجة تقوم بها المؤسسة، وتظهر في الأداء الذي تمارسه، والطرق التي تسلكها في بناء علاقاتها وشبكات تواصلها مع المجتمع وإدارتها بشكل فعال، فالتنفيذ العشوائي لا يجعل المؤسسة مؤهّلة لاستيعاب التغيرات، ومن ثم ينبغي التهُيّؤ للتطوير والقدرة على التكيّف مع الأحداث، والاسْتجابة لمتطلباته، لذا فإن قوة الإدارة وأسْلوبها يتكاملان ويتفاعلان ويؤثران في توجّهات عمل المؤسّسة ومستوى أهدافها ومشاريعها وممارسات تنفيذها، ومن الضروري أن تكون المؤسسة في حالة يقظة بشكل مستمر لتوجّهات عمل المؤسّسات الأخرى المُماثلة ومستوى أهدافها ومشاريعها وممارسات تنفيذها، حتى لا تتأخر عنها، بل استهداف التفوق عنها.

= قنوات تواصل فعالة، متعددة ومتنوعة مع مؤسسات وأفراد المجتمع الخارجي للمؤسسة، مع الاهتمام بنشر وإتاحة البيانات والتقارير التي تسلط الضوء على أداء المؤسسة على مستوي بيئتها الداخلية وانعكاس صداها على مستوى بيئتها الخارجية، وتسليط الضوء على تقرير رضا العملاء وملفات الإنجاز والتميز السنوية لها، والاهتمام بطريقة عرض مخرجاتها وخدماتها التي تقدمها والكم المناسب للمعلومات المتاحة عنها، مع توخي الحذر من سوء الفهم والتفسير لدي بعض المستفيدين من أي معلومة، واليقظة المستمرة من ناحية التطبيقات الرقمية والتي قد يمكن من خلالها مُحاربة المؤسسة من قبل مُنافسيها.

قدرة تنظيمية، تُساعد على إحداث تحوّل في واقع يُعاني من صعوبات تُشكل عائقاً أمام التطوير، بغية تحسينه وتطويره، والمضي به قدما نحو تحقـيق أهدافه المستقبلية، فإدارة السمعة المؤسسية نشاط بـــَـشِريّ واعٍ ومقصودٍ يتميّز بالاستمراريــّة.

وختاماً؛ إن إدارة السُّمعة المؤسسية من القضايا التي ينبغي أن نُكرس لها كل وقتنا وجهدنا، فنجاحها يساعد علي نحاج أي مؤسسة في تحقيق توجهها الاستراتيجي، فهي ليست مجرد رؤية مكتوبة، أو شعارات مترددة على لسان الأفراد، أو مُجرد ميثاق أخلاقي مُعلَن، أو مُجرد تقارير مُتاحة عن الأداء، وإنما هناك الكثير من العوامل التي تُسهم في ترسيخ السمعة المؤسسية تكامُلاً بين الموجهات التنظيرية وقوة تأثيرها في الأفراد والمُجتمعات، مثل جودة المُخرَج أو الناتج النهائي لأداء المؤسسة، وجودة الخدمة المقدَّمة، والمشاركة الفعالة في الارتقاء بها، وتشكيل الوعي البيئي عن الميزة التنافسية للمؤسسة، في سبيل تشكيل الهوية المؤسسية.

ومن الضروري بناء نظام رقابي متقدم، تعتمد عليه المؤسسة في إدارة سمعتها بشكل دوري، ويحقق التكامُل بين (الموجهات التنظيرية التي تم صياغتها علي مستوى المؤسسة من توجه استراتيجي وميثاق أخلاقي ومعايير حاكمة ووثائق مُعلنة) و (قوة تأثير ممارساتها علي أرض الواقع) في إطار بيئتها الداخلية والخارجية، مع مراعاة تنوُّع وسائل التقييم، وتحقيق الشفافية والوضوح في عملياته ونتائجه، وتهيئة البِنْية التحتية والرقمية الملائمة لها، مع تطوير سياسات التمكين والاستقطاب والتدريب والتحفيز للأفراد بما يُسهم في الارتقاء بالسُّمعة المؤسسية، وتقييم المخاطر، والقياس المستمر للتصورات والإدراكات والتوقعات المكونة لجودة الخدمات المقدمة، وتوظيف نتائجها في خطط التحسين والتطوير، وتقييم دور الابتكار من خلال مؤشرات كمية ونوعية ترتبط بالتوجه الاستراتيجي للمؤسسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى