مقالات

ثم ننجي الذين اتقوا .. بقلم الكاتب/ محمـــد الدكـــرورى

 

الحمد لله مُعين الصابرين، أحمده سبحانه يكشف الهم ويزيل الغم عن المكروبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد الصابرين وإمام المتقين، اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد إن تقوى الله تعالى هي المخرج للمسلم من المضايق الدنيوية والأخروية، وهي السبيل إلى سعة الرزق حيث يأتيه الرزق من حيث لا يتوقع، فقال الله تعالى ” ومن يتقي الله يجعل له مخرجا ويرزقة من حيث لا يحتسب” وفي تقواه تعالى تكفير السيئات وتكثير الأجر وتعظيم الثواب فقال تعالى ” ومن يتقي الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ” وكانت تقوى الله تعالي مما تيسر للعبد أمور دينه ودنياه كما قال تعالى ” ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا” وقال ابن القيم ” فالمتقي ميسرة عليه أمور دنياه وآخرته، وتارك التقوى وإن يسرت عليه بعض أمور دنياه.

تعسر عليه من أمور آخرته بحسب ما تركه من التقوى، وأما تيسير ما تيسر عليه من أمور الدنيا فلو إتقى الله تعالي لكان تيسيرها عليه أتم، ولو قدر أنها لم تتيسر له فقد يسر الله تعالي له من الدنيا ما هو أنفع له مما ناله بغير التقى، فإن طيب العيش ونعيم القلب ولذة الروح وفرحها وإبتهاجها من أعظم نعيم الدنيا، وهو أجل من نعيم أرباب الدنيا بالشهوات واللذات” وجعل للمتقين أعظم الإنتفاع والإهتداء بكلامه فقال تعالي ” ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين ” ومن كرامتهم عليه فقد أعد لهم جنات عريضة لا يقدرها حق قدرها إلا الذي خلقها فقال تعالي ” وسارعوا إلي مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين” وجعل لهم العاقبة الباقية وخصهم بها فعقباهم خير وأمرهم لا يؤول إلا إلى خير فقال تعالي ” والعاقبة للمتقين” وعندما يرد الناس على الصراط فلا ينجو ممن هم عليه إلا المتقون.

فقال تعالى ” ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا” وهذه منح عظيمة وعطايا ربانية لا يقدر أن يحدها حاد، وإياكم والإستهزاء بعباد الله تعالي، فإن من أجل خطورة الإستهزاء فقد أبرزه العلماء رحمهم الله في كتاب الردة من كتب الفقه الإسلامي ولا شك أن الردة أعظم كفرا من الكفر الأصلي كما هو معلوم عند أهل العلم، ويقول أبن قدامة المقدسي رحمه الله من سب الله تعالى كفر سواء مازحا أو جادا، وكذلك من أستهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه، وقال النووي رحمه الله والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن عمد واستهزاء بالدين صريح، ونقل القرطبي رحمه الله عن القاضي ابن العربي وهو يشرح موقف المستهزئين في غزوة تبوك قوله لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جادا أو هزلا وهو كيفما كان كفر، فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة فإن التحقيق أخو العلم والحق والهزل أخو الباطل والجهل.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، يكفر به صاحبه بعد إيمانه، ولما كان كتاب الله هو كتاب التربية الإسلامية الحقة، فقد حذر الله سبحانه وتعالى المؤمنين ونهاهم عن خلق السخرية والاستهزاء لكي يقوم المجتمع المسلم على الصدق والحق والاحترام والجدية، بعيدا عن عيوب الجاهلية وأخلاقها فيقول سبحانه وتعالي في سورة الحجرات ” يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم، ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى