مقالات

ضرب النساء .. الكاتبة دكتورة/ لبني يونس

الجزء الأول

 

هل القرآن أمر بضرب النساء؟ 

القران الكريم كتاب سماوي ودستور ألهي 

لكن

تفاسير القرآن هي من صنع البشر 

 و آراء المفسرين وهي رهن بالمستوى المعرفي للمفسِّر ومدى رجاحة عقله وقناعاته , 

وهي أمور قد لا تسمح باقتناص المعاني الحقيقية للقرآن , فما توفر دائما للمفسر العلمُ ورجاحةُ العقل ولا سيما في العصور الخوالي التي سادها بعض الظلام والتشدد , 

ولم تسلم أمة من الأمم من الجهالة عبر تاريخها ، وتبايُن التفاسير لايعني الاختلاف علي الأية القرانية وقدسيتها , 

إنما يعني اختلاف العقول وفهما لها كما أسلفنا ، ولا يُلام المفسرون إن أخطأوا , فقد كان عليهم الاجتهاد فاجتهدوا،،،

كما علينا جميعا الاجتهاد والتفقه ولكن ليس علينا التسليم بما انتهوا إليه ، ولا يمكن اقتناص معاني النص ما لم تبحث عنها , وعلينا جميعا التفقه والتدبير ……

 

فقد جاء في القرآن الكريم ما فهمه البعض بأنه حض على ضرب المرأة : ( وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ) النساء/34 . ولما كانت معاني الفاظ القرآن تُستخلص من القرآن نفسه , 

فبتتبع معاني كلمة (ضرب) في المصحف وفي صحيح اللغة العربية , نرى أنها تعني في غالبها المفارقة ، والمباعدة ، والانفصال والتجاهل , خلافا للمعنى المتداول الآن لكلمة (ضرب ) , 

فمثلا الضرب على الوجه يستخدم له لفظ ( لطم ) ,

 والضرب على القفا ( صفع ) 

والضرب بقبضة اليد ( وكز) , 

والضرب بالقدم ( ركل) ، 

وفي المعاجم : ضرب الدهر بين القوم أي فرّق وباعد ,

 وضرب عليه الحصار أي عزله عن محيطه ، وضرب عنقه أي فصلها عن جسده ، فالضرب إذن يفيد المباعدة والانفصال والتجاهل ، والعرب تعرف أن زيادة (الألف) على بعض الأفعال تؤدي إلى تضاد المعني : نحو (ترِب) إذا افتقر و (أترب) إذا استغنى , ومثل ذلك (أضرب) في المكان أي أقام ولم يبرح (عكس المباعدة والسياحة في الأرض) ، 

 فنجد ..: وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى) طه/ 77 , 

بمعني افرق لهم بين الماء طريقا ،

 وقوله تعالى : (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) الشعراء /63-67 ,

 أي باعد بين جانبي الماء ، والله يقول : (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ) أي مباعدة و سفر, وقوله تعالى : ( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ) المزمل/ 20, وقوله تعالى : ( فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ) الحديد/ 13, أي فصل بينهم بسور، وضرب به عُرض الحائط أي أهمله وأعرض عنه احتقارا، وذلك المعني الأخير هو المقصود في الآية المظنون أنها حض على ضرب الزوجة : (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) والآية تحض على الهجر في المضجع والاعتزال في الفراش ,أي لا يجمع بين الزوجين فراش واحد , وإن لم يجدِ ذلك فهو ( الضرب ) بمعنى المباعدة ، والهجران ، والتجاهل , وهو أمر يأخذ به العقلاء من غير المسلمين ، ولاستكمال البحث نلفت النظر إلى بعض مواضع جاءت فيه كلمة ( ضرب) قريبة مما ألفناه من معنى الضرب , وهو في وصف لضرب الملائكة لأهل النار , وهو أمر غيبي يحدث في عالم الغيب ولا نقف على كيفية حدوثه فكل ما يحدث في غيب يوم الحساب إنما ورد في القرآن على نحو تمثيلي (ولا خطر على قلب بشر) , (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ )الأنفال50/, وكقوله تعالى 🙁 فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ )محمد/27. وقانا الله شر أن نكون من شهود ضرب الملائكة , آمين .

 المراجع ” لسان العرب ” لابن منظور ، “المعجم الوسيط ” ، ” الصاحبي في فقه اللغة ” لابن زكريا ،

 من كتاب المسكوت عنه في الاسلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى