الطفل والبيئة.. الكاتبة/ الزهرة العناق

الطفل والبيئة.. جدلية التكوين و التأثير

لم يولد الطفل من فراغ، بل يلقى في أحضان بيئة تتشابك خيوطها بين كل ما هو مادة محسوسة و قيمة معنوية. هذه البيئة ليست مجرد إطار يحتضنه، بل هي معمار تتداخل لبناته في نحت وعيه، و صقل ملكاته، و توجيه مساراته. فالطفل ابن بيئته.

ما هو يا ترى أثر البيئة في تكوين الطفل؟

البيئة ليست مجرد محيط جامد، بل أنفاس تسكب في روحه، و تنسج في وجدانه. فإن شب في فضاء مفعم بالنقاء، تحلت فطرته بالصفاء، وإن ترعرع في وسط كله ضجيج و فوضى، تسربت إلى روحه مساوئه دون أن يدرك.

الطفل، وإن بدى لك صغير السن، فهو ذو حساسية فريدة، يلتقط أدق الإشارات، و ينقشها في ذاكرته كالنقش على الحجر.

وإذا كانت البيئة الاجتماعية تؤثر في لغته و سلوكياته، فإن البيئة الطبيعية تهمس إليه بلغة أكثر جمالا، إذ تمنحه بساطا من التأمل، و تمده بطاقة تتناغم مع وجوده الداخلي. الطفل الذي يلهو في أحضان الطبيعة ليس كالطفل الذي يسجن بين الجدران الإسمنتية، إذ الأول ينمو بأجنحة من الخيال، والثاني يرهق بثقل القيود المرئية و اللامرئية.

الطفل كفاعل في بيئته

لا ينبغي النظر إلى الطفل كمتلقي سلبي، بل هو فاعل إيجابي في بيئته كما هي فاعلة فيه. إذ يستطيع، بعفويته و نقائه، أن يزرع بذور الجمال في محيطه، إن وجد من يرعاه و يوجهه. فالطفل الذي ينمى حسه الجمالي، و يغرس فيه تقدير الطبيعة، سينشأ إنسانا يبجلها، ويحفظ ودها. أما من تهدر طفولته بين تهميش و إهمال و عنف، فقد يصبح غريبا عن محيطه، لا يشعر تجاهه بأي انتماء أو مسؤولية.

نحو بيئة صديقة للطفولة

لإيجاد بيئة تليق بعالم الطفولة النقي، لا بد من تكاتف تتعاضد فيه جهود الأسرة والمجتمع. فالتربية على احترام البيئة لا تأتي عبر الشعارات، بل تبنى عبر التجربة اليومية، حيث ينشأ الطفل وهو يرى أن الأرض ليست ملكا له وحده، بل هي أمانة تستوجب العناية. و إذا أراد الكبار جيلا يقدر الجمال، فعليهم أن يصنعوا له بيئة تجسد ذلك الجمال في كل تفاصيلها.

أخيرا وليس آخرا، لا ينفصل الطفل عن بيئته، فهي محطته الأولى، و ظله الذي يرافقه حتى الكبر. وإن كانت البيئة السليمة تثمر إنسانا متزنا، فإن البيئة المهملة تفرز أرواحا مشوشة، تنشأ بلا جذور، و تتيه بلا وجهة و لا هدف

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى