مقالات

محمد كمال قريش يكتب/ ما أطول الليالي.. وأقصر العمر!

 

هذه صورة فات عليها أكثر من عشر سنوات. كنت أتأمل ماذا في عمر الرابعة والعشرين؟ شاردًا في ماذا؟ إلى أي شيء كنت أحنّ؟ 

أهي مشاعر الاغتراب، وأنا خارج مصر، حيث يمضي المغترب أيامه ولياليه ساهمًا معظم الوقت، لا يفكّر في أمر معين، لكنّه يفكّر؟! يظل شعورٌ بالنقص وربما الاحتياج، ينازعه!

هل كنت شاردًا أفكر حقًا، أم كان حنينًا، أم تأثير الاغتراب، أم كانت لحظات مصطنعة، لا معنى لها، من أجل لقطة؟!

‌عشر سنوات مضت، وعشر سنوات هي ما تفصلني كتسعيني، عن جيل الثمانين. الذي كنت أعدّه بعيدًا جدًا، ماضيًا تليدًا، وأنّ ما حدث في ال 89، صار نوستالجيا.. شيئا لم أحضره، لا بوعيي ولا بكياني، يا له من زمن طويل بيني وبينه!

هذا عن جيل الثمانين، فما قولي ورأيي عن جيل السبعين؟! أيام بعيدة، أناس مختلفون، طريقتهم وأسلوبهم، ملابسهم وتسريحات شعرهم. ذوقهم في الفن والأدب، لغة حوارهم وطريقة كلامهم!

هذا دفعني للتفكير في أمر..

أنا مواليد 1 يناير لسنة 1990، الذي ليس تاريخ مولدي الحقيقي، لكنه الرسمي. أي أني مواليد أواخر ال 89. كيف لم أفطن إلى أنني من جيل الثمانين الذي كنت أعدّ مواليده تحفّا أثرية؟! كيف لم أفطن أن بيني وبين السبعين “فركة كعب”؟!

كيف تسربت السنوات، بتلك الرتابة والعادية؟

كيف لم أنتبه أنها تمضي، وأني يومًا بعد يوم أصير من الماضي، أثر من أزمنة غابرة، بالنسبة لمن يأتي بعدي؟!

‌وأنا الذي لم أشعر أني كبرت على أشياء كثيرة، مثل كرة القدم مثلًا. وإن كنت لا أمارسها، بحكم مشاغلي، التي أفكّر في أنه سيأتي يومٌ وتتقلص، فأتفرغ، وأهاتف أصدقائي، ونتفق، ونلعب الكرة من جديد!

كيف فات على أيام ممارستي الكثيفة للعبة كرة القدم أكثر من أربعة عشر عامًا؟ هل حكايتي مع الكرة انتهت؟ عمر ال 34، يتقاعد فيه الكثير من لاعبي كرة القدم المحترفين، هل هذا حقًا وقت تقاعدي واعتزالي اللعبة؟! التي اعتزلتها تقريبًا، منذ أربعة عشر عامًا؟!

كيف؟!

أشعر أنّ جسدي ما يزال قادرًا على اللعب، وأنّ ذهني ما يزال حاضرًا ومتقدًا من أجلها. يعرف كيف تُمارس، يحفظ قوانينها. وأنّ روحي ما تزال تمتلك الشغف نفسه والحب لها.

أجلس الآن، وأفكّر على طريقة رجل تسعيني..

في طفولته وصباه، لم تكن أشياء كثيرة من التي يستخدمها الآن قد وُجدت بعد. أذكر أنني وأنا على مشارف العشرين، لم أكن أمتلك هاتفًا محمولًا، وأنه كان حلمًا ورفاهية عالية. وأنّ هواتف النوكيا من نوعية 1100 و1110، ذات النغمات المجسمة، كانت مطلبًا ثمينًا، تعلو بدرجات على هاتف نوكيا التقليدي، الأسطورة، ال 3310!

وأذكر كيف كانت نظرتي للهواتف الصوتية، التي تمتاز بكارت ميموري لتحميل الصوتيات والمرئيات، وشاشة عرض كبيرة نسبيًا!

لقد تطور الأمر..

من صبي يحمل راديو ناشيونال ببطاريات، لصبي يحمل ووكمان ثم MB3 وMB4. لشاب يافع، يحمل أنواعًا وأشكالًا من الهواتف المحمولة العادية والذكية.

طفرة في عالم التكنولوجيا حدثت، تزامن معها موت لمعان كثيرة. أشياء كثيرة فقدت مذاقها، وصار الشيء لا نلبث أن نعتاد عليه، حتى يظهر آخر يطغى عليه وينسينا إياه.

أبهرنا – أجيال ما قبل الألفية الثانية ـ جهاز البلايستيشن 1، ثم زال الانبهار بالبلايستيشن 2 ثم ال 3 وال 4 و…..

مع التقدم الرهيب والسريع للتكنولوجيا والأجهزة، لم يعد لشيء مذاق. 

‌الآن يلخّص الهاتف الذكيّ في يدنا، نظام عمل أجهزة عديدة. وصغرت التطبيقات العالم وقربته منا، فلم تعد هذه الراحة رفاهية فقط بالنسبة لنا، بل قتلًا لروح الأشياء، وتبلدًا للعواطف من ناحيتها..

‌لم نعد نتعلق بشيء كالماضي؛ حيث أمسى عمر كل شيء قصيرًا. لا يكفي لنتعلق به ونحبه.. ماتت روح الأشياء، بموت معانيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى